التداوي والمفطرات هل حسم الخلاف ؟

مشاهدات : 8758
 
 
 
 
 
التداوي والمفطرات
هل حسم الخلاف ؟
 
 
الدكتور
حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب ورئيس قسم القلب
في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة
زميل الكلية الملكية للأطباء الداخليين في لندن
زميل الكلية الملكية للأطباء الداخليين في غلاسجو
زميل الكلية الملكية للأطباء الداخليين في أيرلندا
زميل الكلية الأمريكية لأطباء القلب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مع إطلالة كل رمضان تكثر الأسئلة حول قضية المفطرات . وتزدحم الصحف والمجلات بالأسئلة حول ما يفطر وما لا يفطر من دواء أو علاج . ولا شك أن هذا الموضوع يمس الكثير من المسلمين ، فقد يكون أحدهم مريضا أو قريبا لمريض . وقد كثرت الآراء حول قضية التداوي والمفطرات ، وحار كثير من المرضى فيما يأخذون من آراء .
والصوم الشرعي هو إمساك وامتناع إرادي عن الطعام والشراب ومباشرة النساء وما في حكمها خلال يوم كامل . ويدخل في حكم الأكل والشرب كل ما يتناول قصدا بالفم ويصل إلى المعدة .
ولا بد أن نبدأ بتعريف الجوف المقصود بأحكام الصيام :
فالجوف لغة : كل شيء مجوف . جاء في الصحاح : " جوف الإنسان بطنه ، والأجوفان : البطن والفرج ، والجائفة الطعنة التي تبلغ الجوف . وقد جاء في الحديث الشريف : (( لا تنسوا الجوف وما وعى )) أي ما يدخل إليه من الطعام والشراب ويجمع فيه .
والحقيقة أنه لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة أي نص على الجوف في موضوع الصيام .
ولكن المتقدمين من الفقهاء - جزاهم الله خيرا - وقعوا في التباس عندما فسروا الجوف بأنه كل ما يسمى جوفا ، وإن لم يكن مكان الطعام والشراب . فاعتبروا الدماغ جوفا وليس هو مكان طعام ولا شراب . وأن من كان برأسه مأمومة ( إصابة بالدماغ ) فوضع عليها دواء فوصل خريطة الدماغ أفطر .. واعتبروا الإحليل جوفا وما هو بموضع طعام ولا شراب ولا علاقة له بالجهاز الهضمي . وكذلك اعتبروا المهبل جوفا والمثانة جوفا وهكذا . والفقهاء معذورون في ذلك فربما كان بعض ذلك ناجما عن عدم درايتهم بتشريح الجسم في ذلك الحين .
أما الآن فليس هناك أدنى شك في أن الدماغ لا يرتبط بالجهاز الهضمي ، وأن المثانة والإحليل لا علاقة لها بجهاز الهضم ، وأن المهبل والرحم منفصلان كليا عن الجهاز الهضمي .
وعليه فإن ما ذكره الفقهاء من أن المأمومة ومداواتها أو إدخال شيء في الإحليل أو المثانة يفطر لا أساس له من الصحة .
ما هي أجزاء البلعوم ؟
من المهم تحديد البلعوم ( وهو ما يسميه الفقهاء بالحلق ) وأجزائه . فهو الطريق الواصل إلى المريء ومن ثم إلى المعدة والأمعاء . والبلعوم هو جزء من القناة الهضمية يلي تجويف الفم . وهو ينقسم إلى ثلاثة أجزاء :
1. الجزء العلوي : وهو ما يسمى بالبلعوم الأنفي ( NASOPHARYNX ) وفيه تصب إفرازات الأنف والجيوب الأنفية وما يوضع في الأنف من دواء أو بخاخ كما تصل إليه الدموع من العين والقطرات التي توضع في العين .
2. الجزء الأوسط : وهو ما يسمى بالبلعوم الفمي ( OROPHARYNX ) وعن طريقه يتم ابتلاع الطعام والشراب والدواء وفيه تقع اللهاة واللوزتان .
3. الجزء السفلي : وهو ما يسمى بالبلعوم الحنجري : وفيه تقع فتحة الحنجرة والحبال الصوتية .
ما يدخل الجهاز الهضمي عن طريق الدبر :
ولكن السؤال الذي يطرح الآن : هل يعتبر الجوف هو الجهاز الهضمي كله بعد أن يتجاوز الفم ؟ أم هو الجزء المحيل للطعام ؟ ( الذي يقوم بهضم الطعام ) أي يقتصر على البلعوم والمريء والمعدة والأمعاء الدقيقة . فالأمعاء الغليظة ( القولون ) لا تحيل الطعام ولا تهضمه ولكنها تقوم بامتصاص الماء فقط مما يتخلف عن الطعام المهضوم .
فهل الحقن الشرجية أو اللبوسات ( التحاميل ، الفرزجات ) تفطر أم لا ؟ فعلى الرغم من إمكانية امتصاص شيء من الماء من الحقنة الشرجية إن مكثت طويلا في القولون ، ولكن ذلك لا يغني عن طعام ولا شراب . أما اللبوسات ( التحاميل ) الشرجية أو المراهم الشرجية فليس فيها ما يغتذى بها ولا تدخل من موضع الطعام أو الشراب .
ما يدخل إلى التجويف البطني :
والجائفة هي الطعنة التي تصل إلى التجويف البطني . فإن وصلت إلى المعدة أو الأمعاء الدقيقة فلا شك أنها تسبب الإفطار . أما إذا لم تصل إلى المعدة أو الأمعاء الدقيقة فليست سببا للإفطار . وعليه فإن منظار البطن ( LAPROSCOPE ) لا يعتبر بذاته سببا للإفطار إلا إذا ترافق ذلك بإعطاء المريض
السوائل المغذية بالوريد . وأما خزعة الكبد أو الكلية أو المبايض وغيرها فلا تكون سببا للإفطار إذ لا علاقة لها بمدخل الطعام أو الشراب . وقد أفتى بذلك مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأخيرة .
مناظير الجهاز الهضمي :
مناظير الجهاز الهضمي نوعان :
الأول وهو " منظار المعدة " : ويدخل عن طريق الفم فالبلعوم فالمريء فالمعدة .
والآخر هو " منظار المستقيم والقولون " ويدخل عن طريق الدبر .
وهذان المنظاران يدخلان إلى الجهاز الهضمي للتشخيص كما في أكثر الحالات ، وقد تؤخذ فيها خزعات من المعدة أو المستقيم مما قد يسبب نزفا بسيطا مكان الخزعة . وقد يدخل منظار المعدة للعلاج في بعض الحالات كحقن دوالي المريء بمادة مصلبة لإيقاف النزف منها مثلا . كما قد يدخل منظار القولون لاستئصال مرجلات ( POLYPS ) وهي نتوءات لحمية في القولون .
وقد أوصى مجمع الفقه الإسلامي بأن منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل أو مواد أخرى فإنه لا يفطر.
ما يجعل في الإحليل أو المثانة من دواء وغيره :
المثانة عضو كيسي لا علاقة لها بالجهاز الهضمي وليست هي مدخلا للطعام أو الشراب . وعليه فإن إدخال أي دواء أو قثطار أو منظار عبر الإحليل إلى المثانة ، كل ذلك لا يعتبر من مفسدات الصيام ، كما أفتى بذلك مجمع الفقه الإسلامي .
ما يجعل في المهبل أو الرحم :
ليست هناك أي علاقة بين المهبل والرحم بالجهاز الهضمي وبالتالي فإن إدخال الإصبع أثناء الفحص الطبي أو المنظار المهبلي أو اللبوسات ( التحاميل أو الفرزجات )في المهبل لا علاقة له بجهاز الهضم ، وهي ليست من المفطرات .
ما يدخل الدماغ :
ذكرنا أن الدماغ لا علاقة له بالجهاز الهضمي وبالتالي فإن ما يدخل إلى الدماغ من جرح ( وهو ما يسميه الفقهاء بالمأمومة ) لا يصل شيء منه إلى البلعوم أو الأنف مهما وضع فيه دواء أو غيره . وبالتالي فالمأمومة لا تعتبر سببا لإفساد الصيام . ولا يصل " السائل الدماغي الشوكي " إلى الأنف والبلعوم الفمي إلا في حالة وجود كسر في قاعدة الجمجمة . وهذه الحالة بالأصل حالة خطيرة تحتاج إلى دخول المستشفى . وبالتالي فهي حالة تستدعي الإفطار أصلا كما تعتبر سببا لإفساد الصيام .
 
أما النخامة التي كان القدماء يظنونها آتية من الدماغ فما هي إلا إفرازات من الجيوب الأنفية أو تصعد من القصيبات الرئوية ، ولا علاقة لها بالدماغ .
ما يجعل في الأذن من دواء ونحوه :
تنقسم الأذن إلى ثلاثة أجزاء : الأذن الخارجية والوسطى والداخلية . ويفصل الأذن الخارجية عن الوسطى غشاء الطبل ( طبلة الأذن ) . وتتصل الأذن الوسطى بالبلعوم عن طريق قناة ضيقة تسمى " قناة استاكيوس " . ولا يمكن لأي سائل أو قطرة توضع في الأذن الخارجية الوصول إلى البلعوم ما لم يكن غشاء الطبل مثقوبا .
أما إذا كان غشاء الطبل مثقوبا فيمكن لقطرة الأذن الوصول إلى البلعوم رغم أن الكمية التي ستصل إلى البلعوم ضئيلة جدا .
ما يدخل إلى العين :
تنفتح القناة الدمعية التي تخرج من جوف العين على الأنف عبر فتحة فيه . وبالتالي فإن وضع قطرة في العين تصل إلى الأنف ومنه إلى البلعوم . ولا بد هنا من توضيح بعض النقاط : فجوف العين لا يتسع لأكثر من قطرة واحدة فقط وكل ما زاد عن ذلك تلفظه العين إلى الخارج فيسيل على الخد . ومن المعروف أن أطباء العين يصفون وضع قطرة أو قطرتين في العين كل 4 - 6 ساعات مثلا .
ولكي نتمثل كمية هذه القطرة الواحدة لا بد أن نذكر بأن الميلي ليتر الواحد يحتوي على 15 قطرة ، وأن ملعقة الشاي الصغيرة تحتوي على 5 ميلي ليتر من السائل . وعليه فإن القطرة الواحدة التي توضع في العين تبلغ جزءا من 75 جزءا مما تحتويه ملعقة الشاي الصغيرة من السائل . وهذه تعتبر كمية ضئيلة جدا . وهي بلا شك أقل بكثير مما يتبقى في الفم بعد المضمضة أو مما يدخل في الأنف أثناء الاستنشاق !! .
وقد أقر الفقهاء المضمضة أثناء الصيام ولو كانت للتبرد . ولا بأس بالاستنشاق ما لم يبالغ . وينبغي أن نتذكر أيضا أن المسواك يحتوي على ثماني مواد كيميائية تقي الأسنان واللثة مما قد يعتريها من أمراض . وهذه المواد تنحل باللعاب وبالتالي تدخل إلى البلعوم . ومع ذلك فهي من الأمور المباحة للصائم فقد جاء في صحيح البخاري عن عمر بن ربيعة قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي ولا أعد " .
والحقيقة أن كمية قطرة العين التي تعارف عليها الأطباء كمية زهيدة جدا وما يتذوق من طعمها المر فإنما يتذوق في مؤخرة اللسان حيث أن الحليمات الذوقية موجودة في اللسان فقط .
 
فما حكم البخاخ الذي يستعمل في مرض الربو ؟
لا بد هنا من إيضاح ما يحتويه هذا البخاخ واستعماله . فبخاخ الربو يحتوي على دواء سائل ( فيه ماء ومواد كيميائية عالقة ) . ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق ويضغط عليه في الوقت ذاته . وعندئذ يتطاير الرذاذ ويدخل عن طريق الفم إلى البلعوم الفمي ، ومنه إلى الرغامى فالقصبات
الهوائية . ولكن يبقى جزء منه في البلعوم الفمي وقد تدخل كمية ضئيلة جدا إلى المريء . وتحتوي عبوة بخاخ الربو على حوالي 10 ميلي ليتر من السائل بما فيه من المادة الدوائية . وهذه الكمية مصممة على أن تنطلق على 200 بخة ( أي أن الـ 10 ميلي ليتر تنتج 200 بخة ) . وهذا معناه أنه في كل بخة يخرج جزء من 20 جزء من الميلي ليتر الواحد . وبمعنى آخر فإن البخة تشكل أقل من قطرة واحدة . وهذه القطرة الواحدة ستقسم إلى أجزاء يدخل الجزء الأكبر منه إلى جهاز التنفس وجزء آخر يتسرب على جدار البلعوم الفمي . فكم يتبقى من تلك القطرة للوصول إلى المعدة ؟ وقد يكون ما يدخل من قطرات عقب الاستنشاق أو المضمضة أكثر من ذلك بكثير .
ورغم أن بعض الفقهاء أفتى بأن بخاخ الربو لا يفطر إلا أن مجمع الفقه الإسلامي لم يصل في ذلك إلى قرار .
قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورته العاشرة المنعقدة في جدة خلال الفترة من 23 - 28 صفر 1418 هـ ( 28 يونيو - 3 يوليو 1997 م ) :
أولا : الأمور الآتية لا تعتبر من المفطرات :
1. قطرة العين ، أو قطرة الأذن ، أو غسول الأذن ، أو قطرة الأنف ، أو بخاخ الأنف ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
2. الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
3. ما يدخل المهبل من تحاميل ( لبوس ) ، أو غسول ، أو منظار مهبلي ، أو إصبع للفحص الطبي .
4. إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم .
5. ما يدخل الإحليل ، أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى ، من قثطرة ( أنبوب دقيق ) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة ، أو دواء ، أو محلول لغسل المثانة .
6. حفر السن ، أو قلع الضرس ، أو تنظيف الأسنان ، أو السواك وفرشاة الأسنان ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
7. المضمضة ، والغرغرة ، وبخاخ العلاج الموضعي للفم ، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق .
8. الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية ، باستثناء السوائل ( المحاليل ) والحقن المغذية .
9. غاز الأوكسجين .
10. غازات التخدير ( البنج ) ما لم يعط المريض سوائل ( محاليل ) مغذية .
11. ما يدخل الجسم امتصاصا من الجلد كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحملة بالمواد الدوائية أو الكيميائية .
12. إدخال قسطرة ( أنبوب دقيق ) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء .
13. إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها .
14. أخذ عينات ( خزعات ) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل .
15. منظار المعدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل ( محاليل ) أو مواد أخرى .
16. دخول أية أداء أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي .
17. القيء غير المتعمد بخلاف المتعمد ( الإستقاءة ) .
ثانيا : ينبغي للطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل مالا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق .
ثالثا : تأجيل إصدار قرار في الصور التالية للحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة :
أ- بخاخ الربو ، واستنشاق أبخرة المواد .
ب- الفصد ، والحجامة .
ج- أخذ عينة من الدم المخبري للفحص ، أو نقل دم من المتبرع به ، أو تلقي الدم المنقول .
د - الحقن المستعملة في علاج الفشل الكلوي حقنا في الصفاق ( الباريتون ) أو في الكلية الاصطناعية
هـ - ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل ( لبوس ) أو منظار أو إصبع للفحص الطبي .
و - العمليات الجراحية بالتخدير العام إذا كان المريض قد بيت الصيام من الليل ، ولم يعط شيئا من السوائل ( المحاليل ) المغذية .
 



نشر