السواك .. و الصيام
الدكتور
حسان شمسي باشا
استشاري أمراض القلب
في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة
زميل الكلية الملكية للأطباء في لندن
زميل الكلية الملكية للأطباء في أيرلندا
زميل الكلية الملكية للأطباء في غلاسجو
زميل الكلية الأمريكية لأطباء القلب
في الوقت الذي كان المسلمون يستعملون السواك في تنظيف الأسنان اقتداء بالنبي ، كان الغربيون – كما يقول الأستاذ الدكتور شوكت الشطي – أقل تذوقا للنظافة من الشعوب المتوحشة . فقد كانوا يتمضمضون بالبول لوقاية أسنانهم كما كان شائعا عند نبيلات الرومان . وكانوا يفضلون البول الآتي من أسبانيا !، فإذا لم يتيسر استعاضوا عنه ببول الثيران !!. وقد كان ذلك شائعا حتى القرن السادس عشر .
يقول رسول الله في حديث صحيح رواه أحمد والنسائي وابن ماجة :
" السواك مطهرة للفم مرضاة للرب "
وفي مسند الإمام أحمد عن التميمي قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السواك ، فقال : مازال النبي يأمرنا به حتى خشينا أن ينـزل عليه فيه وحي" .
والسواك – لغة – يطلق على الفعل وعلى العود الذي يستاك به ، وفي الشرع استعمال عود أو نحوه في الأسنان وما حولها ليذهب الصفرة وغيرها عنها .
واتفق العلماء على أنه سنة لحث الشارع ومواظبته عليه وترغيبه فيه .
فقد قال رسول الله : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء " رواه الشيخان وفي صحيح مسلم عن شريح بن هانئ قال : سألت عائشة قلت : بأي شيء كان يبدأ النبي إذا دخل بيته ؟ قالت : بالسواك " .
و تعالوا نرى كيف كان رسول الله يقضي ليله :
يقول ابن عباس في حديث صحيح أخرجه أبو داود : بت ليلة عند رسول الله فلما استيقظ من منامه أتى طهوره ، فأخذ سواكه فاستاك ثم توضأ ، فأتى مصلاه ، فركع ركعتين ثم رجع إلى فراشه فنام ما شاء الله ثم استيقظ ففعل مثل ذلك ، ثم رجع إلى فراشه فنام ثم استيقظ ففعل مثل ذلك ، كل ذلك يستاك ويصلى ركعتين ، ثم أوتر " .
ويقال أنه في موقعة الفسطاط التي أدت إلى فتح مصر ، رأى الكفار المسلمين وهم يستاكون ، فظنوا أن المسلمين يشحذون أسنانهم لأكلهم ، ولكن الحقيقة أن المسلمين كانوا يستاكون لينالوا مرضاة ربهم ، ويهبهم النصر .
وإن أحسن أنواع المساويك تلك التي تتخذ من شجر الأراك . فقد كان سواك رسول الله من شجرة الأراك . وتنمو هذه الشجرة في المملكة العربية السعودية وفي طور سيناء والسودان وباكستان وإيران وغيرها .
ويروي عبد القاضي الخولاني في تاريخ داريا عن أنس رضي الله عنه قال :
" عليكم بالسواك فنعم الشيء السواك ، يذهب بالحفر ، ينزع البلغم ، ويجلو البصر ، ويشد اللثة ، ويذهب بالبخر ، ويصلح المعدة ، ويزيد في درجات الجنة ، وتحمده الملائكة ، ويرضي الرب ، ويسخط الشيطان " .
قال القشيري : " عليكم بالسواك فإن في السواك أربعا وعشرين خصلة أفضلها أنه يرضي الرحمن ، يطيب النكهة ، ويشد اللثة ، ويسكن الصداع ، ويذهب وجع الضرس وتصاحبه الملائكة " .
ويعدد أحد الشعراء فوائد السواك ، فيقول :
إن السواك يستحب لسنة ولأنه مـما يطيب له الفم
لم تخش من حفر إذا أدمنته وبه يسال من اللهاة البلغم
وقد ذكر الشاعر من فوائد السواك أربعا : فهو سنة ثابتة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وهو يطيب نكهة الفم ، ويحسن صحته ، ويقي من داء الحفر ( وهو التهاب ما حول السن ) وينزع البلغم
السواك في رمضان :
و كان رسول الله يستاك مرارا في نهار رمضان ، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عامر بن ربيعة قال : "رأيت رسول الله ما لا أحصي يستاك وهو صائم"
ويرى الشافعية والحنابلة أن السواك بعد الزوال غير مستحب ، بل قال بعضهم بكراهته لأنه يزيل خلوف الصائم الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك .
وهذا القول بالكراهة هو المشهور من مذهب الشافعية . وقد رد كثير من العلماء على القائلين بالكراهة ، وأن السواك مندوب للصائم في أول النهار وآخره .
قال أبو بكر بن العربي : قال علماؤنا : السواك لا يزيل الخلوف والسواك مطهرة للفم ، فلا يكره للصائم كالمضمضة ، وإنما مدح النبي الخلوف نهيا للناس عن تقذر مكالمة الصائمين بسبب الخلوف لا نهيا للصوام عن السواك " .
وقد أوضح ذلك ابن القيم في كتابه " الطب النبوي " فقال :
( ويستحب السواك كل وقت ، ويتأكد : عند الصلاة ، والوضوء ، والانتباه من النوم ، وتغير رائحة الفم . ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث الواردة فيه ، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم ، والطهور للصائم من أفضل أعماله .
وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبا ، واستحبابا ، والمضمضة أبلغ من السواك. وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به . وإنما ذكر " طيب الخلوف عند الله يوم القيامة " حثا على الصوم لا حثا على إبقاء الراحة. بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر .
( وأيضا ) : فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم .
( وأيضا ) : فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .
( وأيضا ) : فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف – الذي يزيله – عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك ، علامة على صيامه ولو أزاله بالسواك . كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك. وهو مأمور بإزالته في الدنيا .
( وأيضا ) : فإن الخلوف لا يزول بالسواك . فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة عن الطعام. وإنما يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة .
( وأيضا ) : فإن النبي علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم . ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة تفوت الإحصاء ، ويعلم أنهم يقتدون به . ولم يقل لهم يوما من الدهر : لا تستاكوا بعد الزوال . وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع . والله أعلم ) اهـ
والخلاصة أن جمهور العلماء يقول باستحباب السواك للصائم أول النهار و آخره، و أن المشهور من قول الشافعية و الحنابلة عدم استحبابه بعد الزوال حتى لا تتغير الرائحة التي هي أطيب عند الله من ريح المسك.
السواك في الطب الحديث :
أكد الطب الحديث فوائد السواك ، فقد جاء في بحث للدكتور طارق الخوري والمنشور في مجلة طب الأسنان الوقائي الإكلينكي Clinical Preventive Dentistry عام : أن أغصان الأراك تحتوي على : مادة الكلور والتي تفيد في إزالة الصبغة والتلوين على الأسنان ، ومادة السيلكا وهي مادة تبيض الأسنان، ومادة صمغية Resins وتعمل على تغطية المينا وحمايته من التسوس . ومادة ثلاثي المثيل أمين وتعمل على التئام جروح اللثة ، ومواد قلوية تعمل على منع التسوس .
وقد استعرض الأستاذ الدكتور محمد علي البار في كتابه القيم (( السواك )) آخر الأبحاث العلمية التي نشرت حول موضوع السواك . ومنها بحث للدكتور عبد الرحيم محمد ( من الرياض ) والدكتور جيمس ترند ( من الولايات المتحدة ) أكدا وجود مواد قاتلة للجراثيم ومواد مضادة للالتهاب ومضادة للتسوس في أعواد الأراك .و يقول مدير علم الجراثيم في جامعة روستوك الألمانية :
" إن هناك حكما كثيرة ، في استخدام العرب للمسواك بعد بله بالماء لأن استعماله جافا لا ينجح لما يحويه من مادة مضادة للجراثيم ، و لو استعمل جافا فهناك اللعاب الذي يمكنه حل هذه المادة الموجودة فيه .
أما الحكمة الأخرى فهي في تغيير المسواك من حين لآخر ( أي قطع الجزء المستخدم ، واستبداله بجزء آخر ) لأنه يفقده مادته الهامة المقاومة للجراثيم بطول مدة الاستخدام ) .
وقال الدكتور كينت كيوديل أمام المؤتمر الثاني والخمسين للجمعية الدولية لأبحاث الأسنان في أتلانتا الأمريكية : " أنه لوحظ أن الذين يستعملون السواك يتمتعون بأسنان سليمة ، وأن بعض الشركات في بريطانيا والهند تصنع معاجين أسنان تدخل بها مواد مأخوذة من السواك " .
ووجدت جامعة مينوسوتا الأمريكية في أبحاثها أن المسلمين الزنوج الذين يستعملون المسواك سليمي الأسنان واللثة إذا ما قورنوا بمن يستعملون الفرشاة .
وقد أكدت الأبحاث التي أجريت في جامعة الرياض أن بالمسواك مادة السنجرين ، وهي مادة مطهرة وقابضة توقف النزف . وبالمسواك صموغ ونشا وأملاح تجعل للعاب قواما لزجا يساعد على التنظيف .
وقد قام الدكتور عبد الرحيم محمد الأستاذ في كلية طب الأسنان بجامعة الرياض ببحث وجد فيه أنه إذا استخدم رأس السواك لمدة تجاوزت اليوم ، دون تغيير هذا الجزء ، فإن بعض المواد يمكن أن تؤثر على الأنسجة المحيطة بالأسنان ، لذلك يوصى المتسوكون باستخدام السواك لمدة 24 ساعة ، وبعد ذلك يقطع الجزء المستخدم ، ويستخدم جزء جديد .
ما يقوله الطب الحديث في طريقة استخدام السواك :
يجب أن يكون تسويك الأسنان العليا للفك العلوي على حدة ، وكذلك أسنان الفك السفلي ، وأن تكون حركة التنظيف من أعلى إلى أسفل للفك العلوي ومن أسفل إلى أعلى للفك السفلي مارا باللثة لتنشيط الدورة الدموية فيها . وقد أثبتت تجارب الباحثين بأن تكون حركة تنظيف الأسنان موازية لمحور السن الطولي ، أما إن كانت غير ذلك ، كأن تكون أفقية ( أي بالعرض ) لمحور الأسنان الطولي فإنها تسبب أضرارا جسيمة و تآكلا لأنسجة الأسنان وتعرية لجذور الأسنان .
القلح:
و هو أحد المظاهر الرئيسية لعدم تنظيف الأسنان ، فهو عبارة عن رواسب عضوية وغير عضوية وفضلات الأكل والبكتيريا .. وبمرور الزمن تتصلب ، وخاصة إذا أهمل الشخص تنظيف أسنانه .
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( مالي أراكم قلحا ؟ استاكوا )) رواه أحمد .
وقال الأعشى يذم قوما :
قد بنى اللؤم عليهم بيته وفشا فيهم من اللؤم القلح
فمك عنوان شخصيتك :
لا شك أن رائحة الفم تعطي انطباعا خاصا عن نظافة الشخص وعنايته بفمه ، وقد يتجنب الناس من كانت رائحة فمه كريهة ويهربون منه إذا تحدث ، أو يديرون رؤوسهم عنه . وقد يكون لذلك أثر سلبي على العلاقات الزوجية ، مما قد ينذر بانهيارها أو على الأقل اضطرابها .
(( والبخر - كما جاء في لسان العرب - : الرائحة المتغيرة من الفم . وبخر بخرا وهو أبخر )) . وقيل : إن عبد الملك ابن مروان كان أبخر ، فعض يوما على تفاحة ورمى بها إلى زوجته ، فدعت بسكين ، فقال : ما تصنعين بها ؟
قالت : أميط الأذى عنها ، فشق عليه ذلك منها فطلقها .
وحكي أن أبخر تزوج بامرأة ، فلما ضاجعها عافته وتولت عنه بوجهها وأنشدت تقول :
يا حب والرحمن إن فاكا أهلكني فولــني قفـاكا
إذا غدوت فاتخد مسواكا من عرفط إن لم تجد أراكا
ماهي أسباب رائحة الفم ؟
فقد جاء في موسوعة ( Family Health ) : أنه نادرا ما تكون رائحة الفم الكريهة عرضا لمرض ما . فهي غالبا ما تنجم عن التدخين أو شرب الخمر ، أو أكل الثوم والبصل ، أو إهمال نظافة الفم والأسنان . أما الإمساك وعسر الهضم فلا يسببان عادة رائحة كريهة من الفم .
وتقسم أسباب رائحة الفم الكريهة إلى قسمين :
الأول : وهي الأسباب الناشئة عن الفم : وأهمها جفاف الفم وهو سبب رئيسي لانبعاث رائحة سيئة من الفم . وقد يحدث جفاف الفم أثناء النوم ، حيث تتحلل بقايا الطعام بفعل البكتيريا ، فتنتج رائحة غير مستحبة عند الاستيقاظ من النوم . كما يلاحظ ذلك عند الذين يتنفسون عن طريق الفم بسبب الإصابة بالزكام .
والجوع سبب آخر من أسباب رائحة الفم الكريهة .. ولكن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك )) رواه البخاري .
كما أن التدخين يؤدي إلى انبعاث رائحة سيئة من الفم . وبعض الأطعمة كالثوم والبصل تجعل الجسم يتخلص من هذه المواد في صورة مواد طيارة فتخرج مع النفس رائحة غير مستحبة .. ولا غرابة أن ينهى رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم أكل الثوم والبصل عن إيذاء المصلين بالرائحة فقال : (( من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم )) رواه مسلم .
ولا شك أن إهمال العناية بنظافة الفم هو السبب الرئيسي لسوء رائحة الفم ، كما أن قروح الفم وأمراض اللثة ونخر الأسنان قد تسبب رائحة كريهة في الفم .
وأما المجموعة الثانية من الأسباب - وهي غير شائعة - فتشمل : التهابات الجيوب الأنفية ، والتهاب اللوزتين ، وتقيحات الرئة ، وأمراض الكبد والكلى .
ويصف صفي الدين الحلي شخصا يدعى " أبا علي " له رائحة كريهة في الفم فيقول :
لو أن لريح نكهته هـبوب لأوشكت الجبال لها تذوب
إذا ما عاب ضرس أبي علي فليس يطيق يقلعه الطبيب
* * *