الإيمان .. مصدر السعادة

مشاهدات : 11069
ليست السعادة في وفرة المال .. ولا سطوة الجاه .. ولا كثرة الولد .. ولانيل المنفعة ..
ولا في العلم المادي .
السعادة شيء يشعر به الإنسان بينجوانحه : صفاء نفس .. وطمأنينة قلب .. وانشراح صدر .. وراحة ضمير .
السعادة – كما يقول الدكتور يوسف القرضاوي _ : " شيء ينبع من داخل الإنسان .. ولا يستورد من خارجه . وإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس البشرية .. والقلب الإنساني .. فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو ماؤها .. وغذاؤها .. وهواؤها "
 
ويقول أديب مصر ( مصطفى لطفي المنفلوطي ) رحمه الله : " حسبك من السعادة في الدنيا : ضمير نقي .. ونفس هادئة .. وقلب شريف " .
 
يروى أن زوجا غاضب زوجته ، فقال لها متوعدا : لأشقينك . قالت الزوجة في هدوء : لا تستطيع أن تشقيني ، كما لا تملك أن تسعدني. فقال الزوج : وكيف لا أستطيع ؟
 
فقالت الزوجة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني، أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !..
 
فقال الزوج في دهشة وما هو ؟
قالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي فيإيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي !..
 
وتجاربنافي الحياة – كما يقول الدكتور أحمد أمين – تدلنا على أن الإيمان بالله مورد من أعذبموارد السعادة ومناهلها . وإن أكبر سبب لشقاء الأسر وجود أبناء وبنات فيها لا يرعونالله في تصرفاتهم ، وإنما يرعون أهواءهم وملذاتهم . وإذا فشا الدين في أسرة ، فشتفيها السعادة . ويقول الدكتور كامل يعقوب : " والحقيقة التي لامستها في حياتي – كطبيب – أن أوفر الناس حظا من هدوء النفس هم أكثر نصيبا من قوة الإيمان .. وأشدهمتعلقا بأهداب الدين " .
 
وقد حدث ذات مرة أن كان أحد الأطباء الناشئين يمر مع أستاذه على بعض المرضى في أحد المستشفيات الجامعية . وكان الأستاذ رجلا أيرلنديا واسع العلم متقدما في السن . وجعل الطبيب الشاب – كلما صادف مريضا قد زالت عنه أعراض المرض – يكتب في تذكرة سريره هذه العبارة : " شفي ويمكنه مغادرة المستشفى " .
 
ولاحظ الأستاذ علائم الزهو على وجه تلميذه .. وقال له وهو يرنو إليه : اشطب كلمة " شفي " يا ولدي .. واكتب بدلا منها كلمة " تحسن "
.. فنحن لا نملك شفاء المرضى .. ويكفينا فخرا أن يتحسنوا على أيدينا .. أما الشفاء فهو من عند الله وحده"
 
ويعلق على ذلك الدكتور كامل يعقوب قائلا : " ولست أشك في أن مثل هذاالإيمان العميق – إلى جانب العلم الغزير هو من دواعي الغبطة الروحية .. والسعادةالحقة " .
 
* الســعادة .. في ســكينة النـفس :
 
وسكينة النفس – بلا ريب – هي الينبوع الأول للسعادة . " هذهالسكينة – كما يقول الدكتور القرضاوي في كتابه القيم ( الإيمان والحياة ) – روح منالله ، ونور يسكن إليه الخائف ، ويطمئن عنده القلق ، ويتسلى به الحزين " .
 
وغير المؤمن في الدينا تتوزعه هموم كثيرة ، وتتنازعه غايات شتى ، وهو حائربين إرضاء غرائزه وبين إرضاء المجتمع الذي يحيا فيه . وقد استراح المؤمن من هذا كله، وحصر الغايات كلها في غاية واحدة عليها يحرص ، وإليها يسعى ، وهي رضوان من الله تعالى . قال تعالى : " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى * ومن أعرض عن ذكري فإن لهمعيشة ضنكا " طه 122 – 123 .
وأي طمأنينة ألقيت في قلب سيدنا محمد صلى اللهعليه وسلم يوم عاد من الطائف ، دامي القدمين ، مجروح الفؤاد من سوء ما لقي من القوم، فما كان منه إلا أن رفع يديه إلى السماء ، يقرع أبوابها بهذه الكلمات الحيةالنابضة ، فكانت على قلبه بردا وسلاما : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي .. وقلة حيلتي .. وهواني على الناس يا أرحم الراحمين . أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي .. إلى منتلكني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلاأبالي ، ولكن عافيتك أوسع لي .. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليهأمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك .. لك العقبى حتى ترضى ،ولا حول ولا قوة إلا بالله ".
 
ومن أهم عوامل القلق تحسر الإنسان على الماضي، وسخطه على الحاضر ، وخوفه من المستقبل ، ولهذا ينصح الأطباء النفسيون ورجالالتربية أن ينسى الإنسان آلام أمسه ، ويعيش في واقع يومه ، فإن الماضي بعد أن ولىلا يعود . وقد صور هذا أحد المحاضرين بإحدى الجامعات الأمريكية تصويرا بديعا حينسألهم : كم منكم مارس نشر الخشب ؟ فرفع كثير من الطلبة أصابعهم . فعاد يسألهم : كممنكم مارس نشر نشارة الخشب ؟ فلم يرفع أحد منهم إصبعه . وعندئذ قال المحاضر : بالطبع ، لا يمكن لأحد أن ينشر نشارة الخشب فهي منشورة فعلا .. وكذلك الحال معالماضي ، فعندما ينتابكم القلق لأمور حدثت في الماضي ، فاعلموا أنكم تمارسون نشرالنشارة !!..
 
* الــســعادة .. في الــرضـا :
 
والرضا درجة أعلى من درجة الصبر ، لا يبلغها إلا من أتاه اللهإيمانا كاملا وصبرا جميلا ، فترى الراضي مسرورا راضيا فيما حل به ، سواء أكان ذلكعلة أم فقرا أم مصيبة ، لأنها حدثت بمشيئة
الله تعالى ، حتى قد يجد ما حل به نعمةأنعم الله بها عليه . ولهذا كان من أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأسألكالرضا بالقضاء .. " . وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الراضين فقال: " لأحدهم أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء" رواه أبو يعلى
ويحدثناالتاريخ أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كف بصره ، وكان مجاب الدعوة ، يأتي الناسإليه ليدعو لهم فيستجاب له ، فقال له أحدهم : يا عم ، إنك تدعو للناس فلو دعوتلنفسك فرد الله عليك بصرك ! فقال رضي الله عنه : يا بني ، قضاء الله عندي أحسن منبصريوالساخطون والشاكون لا يذوقون للسرور طعما ، فحياتهم كلها ظلاموسواد . أما المؤمن الحق فهو راض عن نفسه ، راض عن ربه ، وهو موقن أن تدبير الله لهأفضل من تدبيره لنفسه ، يناجي ربه يقول " بيدك الخير إنك على كل شيء قدير " آلعمران 26
 
* الســعادة .. في الـقناعة والـورع
 
طبع الإنسان على حب الدنيا وما فيها ، وليس السعيد هو الذي ينال كلما يرغب فيه .. إن الأسعد منه هو الذي يقنع بما عنده . قال سعد بن أبي وقاص لابنه : " يا بني ، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة .. فإن لم تكن قناعة .. فليس يغنيك مال .. " .
 
وما أجمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُيَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا . رواه الترمذي .
 
قال حاتمالأصم لأولاده : إني أريد الحج . فبكوا وقالوا : إلى من تكلنا ؟فقالت ابنته لهم : دعوه فليس هو برازق . فسافر فباتوا جياعا وجعلوا يوبخون البنت فقالت : اللهم لاتخجلني بينهم . فمر بهم أمير البلد وطلب ماء ، فناوله أهل حاتم كوزا جديدا وماءباردا ، فشرب وقال : دار من هذه ؟ فقالوا : دار حاتم الأصم ، فرمى فيها قلادة منذهب ، وقال لأصحابه : من أحبني فعل مثلي ، فرمى من حوله كلهم مثله . فخرجت البنتتبكي ، فقال أمها : ما يبكيك ؟ قالت : قد وسع الله علينا ، فقالت : مخلوق نظر إلينافاستغنينا ، فكيف لو نظر الخالق إلينا ؟
 
وروى الطبري في تاريخه أن عمر بنعبد العزيز أمر - وهو في خلافته – رجلا أن يشتري له كساء بثمان دراهم ، فاشتراه له، وأتاه به فوضع عمر يده عليه ، وقال : ما ألينه وأحسنه ! فتبسم الرجل الذي أحضره ،فسأله عمر : لماذا تبسمت ؟ فقال : لأنك يا أمير المؤمنين أمرتني قبل أن تصل إليكالخلافة أن أشتري لك ثوبا من الخز ، فاشتريته لك بألف درهم ، فوضعت يدك عليه فقلت : ما أخشنه ! وأنت اليوم تستلين كساء بثمانية دراهم؟ فقال عمر : يا هذا .. إن لي نفساتواقة إلى المعالي ، فكلما حصلت على مكانة طلبت أعلى منها ، حصلت على الإمارة فتقت إلى الخلافة ، وحصلت على الخلافة فتاقت نفسي إلى ما هو أكبر من ذلك وهي الجنة .
 
* الســعادة .. في اجتناب المحرمات :
 
أي سعادة ينالها المؤمن وهو يتجنب ما حرم الله . وأي لذة يجدها في قلبه عندما يحيد عنطريق الزلل والفجور . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُسْلِمٍيَنْظُرُ إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَغُضُّ بَصَرَهُ إِلَّاأَحْدَثَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةً يَجِدُ حَلَاوَتَهَا . رواه أحمد
 
ويقولالدكتور مصطفى السباعي رحمه الله : " إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها بالله ، فإذا لمترجع فذكرها بأخلاق الرجال ، فإذا لم ترتدع فذكرها بالفضيحة إذا علم بها الناس ،فإذا لم ترجع فاعلم أنك في تلك الساعة انقلبت إلى حيوان " .
 
وفي هذا المعنىيقول نابغة بن شيبان :
إن من يركب الفواحش سرا حين يخلو بسره غير خالي
كيف يخلو وعنده كاتـباه شاهداه وربه ذو الجـلال
والمعاصي تذهبالخيرات وتزيل النعم . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " ما نزل بلاء إلا بذنبولا رفع إلا بتوبة "
ومن كبح هواه ، ولم يسمح لشهواته أن تتسلط عليه سميعاقلا مالكا لهواه ، وسعد في دنياه وآخرته . فقد ذكر عن أحد الملوك : أنه زار عالمازاهدا ، فسلم عليه ، فرد الزاهد السلام بفتور ولم يحفل له . فغضب الملك وقال له : ألا تحفل بي وأنا ملكك ؟ فابتسم الزاهد وقال له : كيف تكون ملكي وعبيدي كلهم ملوكك . فقال الملك : ومن هم ؟ فقال : هم الشهوات .. هي ملوكك وهم عبيدي !!
 
 
الســعادة .. في شكـر النــعم :
وكثير منالناس يظن أن أكبر نعم الله تعالى علينا وأهمها هي نعمة المال ، وينسى نعمة الصحةوالعافية ، ونعمة البصر والعقل والأهل والأبناء وغيرها كثير .
 
والسعادة أنتقنع بأن الله تعالى سيتولى أبناءك الصالحين ، فتسعى لإنشائهم النشأة الصالحة. فقدترك عمر بن عبد العزيز ثمانية أولاد ، فسأله الناس وهو على فراش الموت : ماذا تركتلأبنائك يا عمر ؟ قال : تركت لهم تقوى الله ، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولىالصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى . وقدخلف عمر لكل واحد من أبنائه اثني عشر درهما فقط ، أما هشام بن عبد الملك الخليفةفقد خلف لكل ابن من أبنائه مئة ألف دينار . وبعد عشرين سنة ، أصبح أبناء عمر بن عبدالعزيز يسرجون الخيول في سبيل الله ، منفقين متصدقين من كثرة أموالهم ، أما أبناءهشام بن عبد الملك فقد كانوا يقفون في مسجد دار السلام ، في عهد أبي جعفر المنصور ،يسألون عباد الله من مال الله تعالى .
 
وأخيرا تذكر نعم الله عليك تسعد بمالديك .. فأنت تعيش وسط جو مليء بنعم الله ، ولا بد للإنسان من أن يدرك تلك النعم ،فكم من الناس لا يدرك فضل الله علينا إلا حينما يحرم إحدى تلك النعم ؟
 
يقولالدكتور مصطفى السباعي : " زر المحكمة مرة في العام لتعرف فضل الله عليك في حسنالخلق .. وزر المستشفى مرة في الشهر لتعرف فضل الله عليك في الصحة والمرض .. وزرالحديقة مرة في الأسبوع لتعرف فضل الله عليك في جمال الطبيعة ..وزر المكتبة مرة فياليوم لتعرف فضل الله عليك في العقل. وزر ربك كل آن لتعرف فضل الله عليك في نعمالحياة "
 
ويقول أحدهم : لتكن لك يا بني ساعة في يومك وليلك .. ترجع فيهاإلى ربك ومبدعك مفكرا في مبدئك ومصيرك .محاسبا لنفسك على ما أسلفت من أيام عمرك .. فإن وجدت خيرا فاشكر .. وإن وجدت نقصا فجاهد واصطبر ".



نشر