الحب في القرآن الكريم (1)

مشاهدات : 8894
الحب في القرآن الكريم
المؤلف: د.حسان شمسي باشا
 
لعل البعض يعجب من عنوان كهذا .. فكيف يكون الحب في القرآن !! وما هو كنهه؟ وما هي أنواعه ..؟
وربما ينسى البعض أن الإسلام هو دين الحب ، وأن المؤمن لا يجد حلاوة الإيمان إلا إذا أحس بحرارة الحب في قلبه . وقد أمرنا ديننا بالحب ، ودعانا إليه ...
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه ، وأحبوني لحب الله ، وأحبوا آل بيتي لحبي " رواه الترمذي .
وعن أنس بن مالك أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله ؟ قال : وماذا أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله. قال : "أنت مع من أحببت". رواه البخاري. يقول أنس – رضي الله عنه - فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مع من أحببت ، فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم .
وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم.قال : " المرء مع من أحب"
والإيمان في الإسلام قائم على المحبة ، ومؤسس على المودة .. يقول عليه الصلاة والسلام: " والذي نفسي بيده ، لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم : أفشوا السلام بينكم " . رواه أبو داوود .
فجعل الفوز بالجنة مرتبطا بالإيمان ، وجعل الإيمان متوقفا على المحبة والمودة .
فأحبب الخير لغيرك ، فإن ذلك من كمال الإيمان . يقول عليه الصلاة والسلام : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه – أو قال لجاره - ما يحب لنفسه " رواه مسلم .
حب الله تعالى للعبد :
والله جل في علاه يحب من أحب دينه واتبع ملته وشريعته .. يحب ربي من أخلص له وأناب إليه ، ولاذ إلى رحابه . يحب من يتسامى في حبه ، ويجاهد في سبيله لنصرة دينه . قال الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ " "الصف 4" .
والله تعالى يحب التوابين ، فتب إلى الله تكن حبيباً لله . قال الله تعالى في محكم كتابه : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " "البقرة 222".
يقول الدكتور موسى بن الشريف : إننا نخطئ في حق الله تعالى ، ونقع في وحل المعصية ، وبحر الشهوات ، ونتلطخ بأدران الإثم .. ثم يصحو الضمير ويستيقظ ، وتطارد الخطيئة المذنب .. ويحس بثقلها على نفسه كأنها الجبل ، ويتجسم أمام عينيه فظاعة ما ارتكب في حق الله تعالى فتضيق الأرض بما رحبت ، فلا يلجأ إلا إلى الله تعالى ، ففراره من الله إلى الله تعالى.. إليه الملجأ وإليه المآل . قال الله تعالى : " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ" "آل عمران135 ".
والتوبة رجوع إلى الله وما أحلى الرجوع إليه...
وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : " لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم لماتوا شوقا لي . هذه إرادتي في المدبرين عني ، فكيف إرادتي في المقبلين علي يا داود . أرحم ما أكون بعبدي إذا أدبر عني ، وأجل ما يكون عندي إذا رجع إلي" .
والله تعالى يلقي محبته على من يحبه ، وأي منزلة أعلى ، بل وأي درجة أكمل من أن يقول الله تعالى لعبده : " وألقيت عليك محبة مني " .. فمحبة الله تعالى العزيز المتعال ، وهو في عليائه وكبريائه ، للعبد وهو في ذلّه وضعفه هو العطاء عينه ، وهي النعمة والمنة من الله تعالى ذي الكرم والجود .. قال الله تعالى :" قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " "يونس 58 ".
والمؤمنون يحبون :
ومحبتهم هي الأقوى لله تعالى مصداقا لقوله تعالى " وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ " ."البقرة 165" .
والحب تقرب وعطاء .. تقرب من المحب ، وعطاء من المحبوب . يقول الله تعالى في الحديث القدسي : " وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه " . رواه البخاري .
أحبب الله :
أحبب الله فنحن مأمورون بحب الله. يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : " أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه " . وهل هناك غير الله تعالى أحق بالحب ؟ ، وهو الخالق البارئ ، الذي خلقك أيها الإنسان فصوَرك وركَبك .. المنعم عليك بجميع النعم صغيرها وكبيرها !!
يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله :
" من أنست نفسه بالله لم يجد لذة في الأنس بغيره ...
ومن أشرق قلبه بالنور لم يعد فيه متسع للظلام ...
ومن سمت روحه بالتقوى لم يرض إلا سكنى السماء...
ومن أحب معالي الأمور لم يجد مستقرا إلا الجنة ...
ومن أحب العظماء لم يقنعه إلا أن يكون مع محمد صلى الله عليه وسلم...
ومن أدرك أسرار الحياة لم ير جديرا بالحب حق الحب إلا الله تبارك وتعالى".
ولا تجعلن محبة غير الله تعالى فوق محبة الله . فالله تعالى يتوعد من شغلته محبة غيره عن محبته جل في علاه . قال الله تعالى :" قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" " التوبة 24.
يقول ابن القيم – رحمه الله – في مدارج السالكين : " وأصل العبادة محبة الله ، بل إفراده بالمحبة ، وأن يكون الحب كله لله ، فلا يحب معه سواه ، وإنما يحب لأجله وفيه " . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في رسالته "العبودية : " إن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب ، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له ، فإن آخر مراتب الحب هو التتيم ، وأوله العلاقة ، لتعلق القلب بالمحبوب ، ثم الصبابة ( لانصباب القلب إليه ) ، ثم الغرام ، وهو الحب الملازم للقلب ، ثم العشق ، وآخرها : التتيم ، يقال : تيْم الله أي : عبد الله .فالمتيَم : هو المعبَد لمحبوبه " .
والمحب يطيع من أحب ، وينفذ أوامره في سعادة وسرور .. يقول ابن المبارك :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في القياس شنيع
لو كان حبك صــادقا لأطعته
إن المحب لمن يحب مطـيع
وهكذا يكون طريق المحبة : أوله أمر إلهي .. وآخره طاعة لله تعالى واستجابة لأمره.
 
 
 
 



نشر